الأربعاء، 4 فبراير 2015

المنطقة الرمادية|| تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الأخرين


بين نهاية حريتك وبداية حرية الأخرين

"تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الأخرين" ينسب هذا القول للفقيه الفرنسي مونتسكيو من كتابه روح الشرائع، إلا أنه وبعد بحثي بهذا الموضوع تبينت ان مونتسكيو لم يكن من قال ذلك وإنما هو القائل بأن "الحرية هي ما يسمح به القانون"، أياً يكن، ما يعنيني بهذا الأمر هو الحرية وضوابطها وما بينهما، وهي ما أدعوه بالمنطقة الرمادية.

المنطقة الرمادية تتوسط كثيرا من المواضيع، وهي التي يتمسك بها ويدعي ملكيتها كل من مناصري ومعارضي ذلك الموضوع، مما يخرج تلك المواضيع من دائرة الوضوح من كونها بيضاء أو سوداء إلى دائرة الجدل أي المنطقة الرمادية.

وموضوع الحرية وضوابطها، هي محور كثير من النقاشات الجدلية، التي تدار على المستوى الشخصي أو الإعلامي أو الرسمي، والتي تبدأ من محاولة وضع تعريف محدد لمفهوم الحرية، إلى تحديد حدودها ولا تنتهي هذه الجدلية عند تحديد الضوابط التي على الجميع التقيد بها أثناء ممارسة الحرية.
الحرية كمفهوم كمثل غيرها من المواضيع التي لا يوجد تعريف مانع جامع لها محدد وبمعايير محددة، وإنما هو تعريف فضفاض يسمح دائماً بالاختلاف حولها، فعند تصفحك لأي كتاب قانوني أو فلسفي أو بالاقتصاد أو بالإدارة .... الخ، دائماً ما تنصدم بعبارة "ثار خلاف فقهي حول التعريف"، مما يعني بالتبعية أنه، عجز هؤلاء الفقهاء عن التوافق والاتفاق على مفهوم محدد، فمن باب أولى أن البقية الباقية سوف يحتدم النقاش والخلاف أكثر بينهم ليس على التعريف فقط وإنما أثناء ممارسة تلك الحريات نظراً للاختلاف على حدودها وضوابطها.

لقد عرف بعض القانونين الحرية من الناحية الفنية والقانونية " أنها امتياز يخول لصاحبة إذا أراد منفذا للوصول إلى مراكز قانونية في إطار هذه الحرية" [1]،  ويُعرف الفيلسوف ليبنز بأنه "قدرة الإنسان على فعل ما يريده ومن عنده وسائل أكثر يكون أكثر حرية لعمل ما يريده عادة"[2]، وكذلك يعرفها فولتير "عندما أقدر على فعل ما أريد فهذه حريتي "[3].

أنا لا أريد الوصول لتعريف محدد للحرية أو أن أخوض في نقاش جدلي حول حدودها أو ضوابطها، وإنما أسعى لطرح الموضوع من وجهة نظر ثانية، وبيان مدى صحة القول إن حرية الإنسان تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين ام ان الاصح هو ان حرية الانسان ما يسمح به القانون ولو كان فيه تجاوز على حرية الاخرين ؟
 فالقاعدة الأصولية القانونية القائلة "الأصل بالأشياء الإباحة، فكل ما خلق الله الأصل فيه الحل والإباحة ما لم يرد دليل يحرمه"، إذن فكل شيء مباح كأصل عام، مالم يرد ما يقيده، والقيد كان يكون نص قانوني ، او عرفي ، او أيا من مصادر التشريع الأخرى.

وبالتالي فإن تطبيق مقولة أن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، قولاً غير صحيح على إطلاقة -بنظري، لأن حرية الآخرين هي قيد على حريتك، وبالتالي مثل هذا القيد يجب أن يكون له أصلاً في القانون ينص عليه ويحدده، وبما أن الأصل في الأشياء الإباحة، والاستثناء هو التقييد، وأن القاعدة القانونية القائلة "بأن الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره"، وعليه فإنه يجب دائماً أن نتوسع في تفسير حرية الفرد وأن نكون أكثر تحديداً في تفسير القيود كونها استثناءات، وبناء على ذلك فالأصح –بنظري- ان الحرية ما نص عالية القانون او ما يسمح به القانون.

وبالتالي فإنه أثناء ممارسة البعض لحرياتهم، وقد يتجاوزوه حدوداً وضوابط معينة بنظر البعض الآخر، فالأولى أن يتم الاحتكام إلى القانون قبل أي شيء، لئلا تصبح مثاراً جديداً لمنازعات جديدة قد تطرأ بسبب محاولة إحقاق الحق باليد بدلاً من يد القانون، فأصبح البعض يشتم وعلة ذلك أنه يمارس الحرية ، والبعض الآخر يضرب بحجة أن يدافع عن الحرية ، وكل ذلك هين اذا ما مورس القتل وإهدار الأرواح مبررا للدفاع عن الحرية ، وهذه النهاية الحتمية ،اذا ما ارتضينا أن ننفذ قانوناً بأيدنا بدل أن نحتكم الى قضاء البلد الذي ننتمي إليه بجنسياتنا أو بسكنانا .











 [1]   د. مالك هاني خريسات، التوازن بين ممارسة حّرية الاجتماعات العامة ومقتضيات حماية النظام العام، صفحة 2
[2] المرجع السابق صفحة 3
[3] المرجع السابق صفحة 3